... وأتى نَعْيُ أبي هذا الصباحْ
نام في الميدان مشجوجَ الجبينْ
حولَهُ الذؤبان تعوي والرياحُ
ورفاقٌ قبَّلوة خاشعينْ
وبأقدام تجرّ الأحذية
وتدق الأرض في وقعٍ مُنَفَّر
طرقوا الباب علينا
وأتى نعيُ أبي
كان فجراً موغلاً في وحشته
مطرٌ يهمى ، وبردٌ ، وضبابْ
ورعودٌ قاصفهْ
قطةٌ تصرخُ من هولِ المطر
وكلابٌ تَتَعاوى
مطر يهمى ، وبردٌ ، وضباب
وأتينا بوعاءٍ حجري
وملأناهُ تراباً وخشبْ
وجلسنا
نأكلُ الخبزَ المُقَدَّدْ
وضحكنا لفُكاهَه
قالها جدي العجوزْ
وتسلَّل
من ضياءِ الشمسِ موعد
فتفاءلْنَا ، وحَيَيْنَا الصباح
وبأقدامٍ تَجُرْ الأحذيه
وتدقُ الأرض في وَقع مُنَفَّر
طرقوا الباب علينا
وأتى نعيُ أبي
حين ودعت أبي
من زمان
كان دَمعْي غائراً في مُقلَتي
وشفاهي تنطقُ الحرفَ الصغيرْ
يا أبي !
مرة يخنُقُهُ الدمعُ ، ويأبَى
أن يذوبْ في فراغِ العدمِ
ثم جمعتُ حياتي
وهي بعضٌ من أبي
ما الذي يقصيك عني ..؟
ما الذي يدعوك للبحر الكبيرْ ؟
ما الذي يدعوك للدرب المضلَّل ؟
لم تجفو مضْجَعَكْ ؟
لم يبدو الموتُ في منزلنا
قدراً لا يخطئُ
وأبي يثني ذراعَهْ
كهرقل
ثم يعلو بي إلى جبهته
ويناغي
تارة رأسِي وطوراً منكبي
وبصرّ البابُ في صوتٍ كئيبْ
ومضى عني ، وراحتْ خطوته
في السكونْ ...
ونرى طَلعتْهُ بينَ الضباب
وأرى الموتَ ، فأعوي
يا أبي !
وأتى نعيُ أبي هذا الصباح
نام في الميدان مشجوج الجبين
جُنَّتْ الريحُ على نافذتي
في مسائي ، فتذكرت أبي
وشَكَتْ أُمَّيَ من علَّتها
ذاتَ فجرٍ ، فتذكرت أبي
عقَرَ الكلبُ أخي ...
وهو في الحقل يقُودُ الماشيه
فبكينا
حين نادى ...
يا أبي !
إننا الأغرابُ في القفر الكبير
إننا ضِقْنَا وضاقَتْ روحنا
القطيع ..!
غاب راعيه ، وطَالتْ رِحْلَتهُ
وهو في بيداءَ لا ظلَّ بها
يا لأقدامٍ تجُرُّ الأحْذِيَه
وتدقُّ الأرضَ في وقعٍ منفَّر
يا لأقدامٍ تذيعُ النَبَأَ
نَبأ المصروعِ في صخرِ الجبل
إنه مات !
إنه مات وجَفَّتْ رِحْلَتهُ
إنه مات وواراهُ الثرى
حيثُ مات
حين غابَ لهِيبُ المِدفأه
كلُّ شيءٍ كانَ يحكي النَبَأ
قطةٌ تصرخُ من هولِ المطر
وكلابٌ تتعاوى
ورعودْ
كان فجراً موغلاً في وَحْشَتهْ
وأتي نعي أبي
نام في الميدان مشجوج الجبين ..
صلاح عبد الصبور...
2 comments:
مش برضه لازم تقولي مين اللي اداكي القصيدة دي..
يعني حقي يتهضم كده بالساهل.. تنكري أفضالي بالسرعة دي
يا سيدي انا اسفه مووت
يا جماعه احمد ندا هو اللي جاب لي القصيده دي
Post a Comment