Thursday, August 23, 2007

دبلان على ارضه

اغمضت عيناها و ظلت تركز كل حواسها لتنجز مهمة واحدة فقط ..و هي استرجاع وجهه في ذهنها..اول ما اخترق هذا الظلام المشوب بخيلات غير مفهومة هي التجاعيد التي كانت تظهر بجانب عينه عندما يبتسم....فتبتسم هي بمرارة..و تفتح عيناها و تغلقهما سريعاً لتعاود المحاولة..هذه المرة يظهر وجهه كاملاً يبتسم و لكنه يختفي سريعاً..تحاول مرة اخرى ..و لكن وجهه يظهر تلك المرة ملامحه مختلطة بملامح حبيبها..فتحت عينها و قد يأست في ان تستجمع صورة كامله له في ذهنها لمدة نصف دقيقة حتى..و تلك هي الطقوس اليومية الخاصة بها و هي في طريقها لعملها ..و بعد ان تنتهي منها تبدأ في مراقبة من معها في عربة المترو واحدة تلو الاخري..لتكتشف ان هناك اثنين منهم يراقبونها بدورهم..تبتسم بداخلها و تتذكر العقدة الازلية للمصريين..التجسس على الاخرين..يقف المترو و تركب سيدة ترتدي جلباب اسود و تدفع امامها كرسي متحرك يجلس عليه طفل حليق الشعر..مصفر الوجه..و تردد بصوت عال مبحوح" ساعدوا مريض السرطان..ساعدوا مريض السرطان"..يقشعر جسدها رهبة من ان تقترب منها السيدة بالطفل..فهي تخسى هؤلاء الاطفال بداخلها و دائماً ما تلوم نفسها على ذلك..تتأمل الطفل من بعيد..فترى في عينه نظرة الم ..فتشعر انه ليست خائفة منه الي هذا الحد و لكنها لم تجرؤ في الاقتراب منه لشعورها لتعطي تلك السيدة اي مال..ظناً منها ان تلك الفتاتين مازلوا يراقبونها..!!

وقتها تسأل نفسها ..لماذا هي حزينة..اليس من الممكن ان تكون هي مكان هذا الطفل و لكن الله عفاها من ذلك و رحمها...و كلنها تتساءل مرة اخرى..و لماذا من الاساس يصاب هذا الطفل بمرض قاتل كهذا..فتأتي في رأسها تلك الافكار التي طالمها كرهتها ..."ليه بنتعذب في الدنيا و احنا مخترناش نعيشها..و لو فكرنا ننتحر يبقى حرام؟."...."ليه تقريبا كل حاجة حلوة و بتستمع بيها حراام؟".."ليه ربنا بيخلينا نحب ناس و حاجات و بعدين يحرمنا منها؟"..الناس اللي مؤمنة بقضاء ربنا دي مؤمنه ليه..عشان هي فعلاً مقتنعة ولا عشان هما معندهمش حل تاني غير كده؟"..."انا لو قتلت نفسي فعلا ربنا هيعذبني...طيب ما اموت نفسي و اجرب..مش هما بيقولوا ان ربنا رحيم و بيسامح اي حد..ليه مايسمحنيش عشان انتحرت؟"..."ليه في ناس بتعمل حاجات غلط كتير و مع ذلك مستريحة؟..و لو الناس دي مش مستريحة و صحيح مفيش حد مستريح في الدنيا يبقى ربنا بيعذبنا ليه مش المفروض انه بيحبنا؟.."..." ممكن يكون ربنا بيعذبنا عشان احنا كلنا لحد دلوقتي فاهمين الدنيا الغلط و مش عارفين نعيشها فبيعذبنا عشان نفوق و مش بنفوق بردو؟".."ولا ربنا مش بيعذبنا اساسا و احنا اللي بنعذب نفسنا؟"...
و بعد ان تقوم بالقاء هذا السيل من الاسئلة على نفسها..لا تجد لها اي رد..هي لم يهتز ايمانها يوماً واحد..و لكنها فقط الي الان تعاني مثل اي انسان من فقدان الفهم من حكمة وجودنا في تلك الحياة اساسا..ما يجبرها هي ان تعيش و تمارس بحماس حياتها اليومية بنفس الاداء العبثي ..هل هي تصدق ما تفعله..و هل هي تفعله اساسا..ام ان تلك الاحداث التي تحياها هي التي تعيشها و تتحكم فيها و ليس لها هي اي دور او حيلة..
عندما تصل الي هذه النقطة من التفكير..تتذكر فوراً حبيبها.. اروع و اجمل شيء اهداه الله اليها.. تيقن بداخلها انها بدونه لن تستمر في اي شيء...ابتسامته المشجعة هي الوحيدة التي تجعلها ان الايام القادمة افضل ..كل لحظة دافئة قضتها معه تتذكرها و تمررها على ذهنها برفق في اسوأ حالتها النفسية لتشعر انها اصبحت افضل..و ربما لهذا السبب يطاردها دائما هاجس انها ستفقده..و لكنها عندما تتخيل ذلك لا تقوى على التفكير و تجد صعوبه في ان تتنفس..و يسقط منها دمعتين...و تدعو الله الا يتركها ابداًُ...و عندما تيقن انه معها فعلاً ..تبتسم و تضع السماعات في اذنها ليأتتي منير ليقلب عليها اوجاع اخري
" و فينك انا من غيرك ..انا مش عاقل ولا مجنون..انا مطحوون و الدنيا دي رحاية ..و قلبي حب الحب ..و حباه بعيونه..شجر الليمون دبلان على ارضه"

Tuesday, August 07, 2007

انه يعشق دروويش..

عذراً للتأخير مرة تانية..بس الواحد لما يجي يكتب حاجة اللي مشتركة فيها احمد فؤاد الدين و وئام فلازم يكون مركز كويس جدا...يالا يا وئه..انا مستنية الجزء بتاعك

**************



لم تدري هي كيف وجدت نفسها جالسه معه على مقهاها المفضل في "الحسين" تستمع اليه ... هو يدخن الشيشة و يتحدث عن نفسه بجمل مقتضبة قصيرة..ملغزه في بعض الاحيان ..و هي تطبق عليه كل ما يحمله ذهنها من معان لكلمة "Crush" ..تتأمل وجهه عن كثب و هو يتحدث.. فمه واسع و شفتيه دقيقة الي حد ما..و ابتسامته رائعة .. ..بشرته سمراء مجهدة ... اما عينيه فهي قصة اخرى..فعندما يكون للرجل عينان عسليتنان حزينة لسبب مجهول..فيصبح وجهه اسطورة اغريقية بالنسبة لها .. تخيلت نفسها مرة تقبل رقبته النحيلة و هو يضمها بقوه..و مرة تخيلته يبكى بين ذراعيها و هو يحكي لها عن سبب هذا الشجن في عينه..و مرة اخرى تخيلت نفسها تحكي له عن كل تجاربها السابقة و هو يطلب الزواج منها و يخبرها انه لا يهمه كونها كانت متزوجة و لا يهمه تاريخها المذكور..

عادت الي بيتها و هي "خارج نطاق الخدمة" ..تعيش في عالم اخر بعيد الواقع الذي تعيشه .. فاخيرا منذ طلاقها من يوسف وجدت شيء بعيد عن الواقع تختبيء فيه ..هي تقريبا تعلم ان كل ما بداخلها تجاة "عمر" ليس حقيقي..و لكنها الان لا تحتاج الي ا شيء حقيقي..هي تحتاج الخيال..هو وحده الذي قد يسكّن هذا الالم لبعض من الوقت..ربما تستطيع وقتها ان تلتقط انفاسها دون هذا الالم الذي يصاحبه في صدرها ...زاد من روعة تلك التجربة انه رسام..فلن يسعدها ان تخوض تجربة جديدة و بطلها يكون موظف يعود الي بيته ببطيخة..و يقرأ في الصباح جريدة الاخبار.
تعمدت في هذا اليوم ان تصلح بعض ما فسد مع عائلتها ..فابتاعت لأبيها و هي عائدة للمنزل رواية نُشرت حديثاً و اعتطها له مع قبلة اسف سريعة على جبينه..اما امها فكان عطرها المفضل كافي لتسوية الخلافات بينهم..و اكتفت ان تعد لاخيها كوب الشاي بعد الغداء بنفسها ..فمازلت تجد صعوبة في لمس اخوها تحت اي ظرف..تتذكر هي عندما عاد من سفر دام شهر فارتمت في حضنه بعفويه.و .كيف ارتبكوا هم الاثنين و ابتعدوا سريعاً..شعرت انها راضية عن نفسها و عن العالم ..فدخلت الي غرفتها و اخرجت من حقيبتها ديوان محمود درويش الذي اعطاها اياه بعد ان ابتاعه و هو يقول "اقرئيه جيداً اليوم..صدقيني هنا لن أحاول أن اقنعك بعبقرية محموش درويش السابح فى ملكوت وحده..فقط ربما تعطيك هذه القصائد فكرة عن شعر محمود درويش , الذى يقطر بالتجارب الانسانية التى يمكن أن يمر بها كل منا إلى شعر بمستوى عالمى يلمس جزءا منا فى أى وقت ودون استئذان.
عموما من المحتمل أن تكون الصور والتراكيب معقدة، وربما لا تصل كل معانى الكلمات ولكن فى كل الأحوال أنا متأكد أن الإحساس سيصل"..تنهدت و نظرت الي الديوان " كزهر اللوز او ابعد" ....لم تفهم معنى عنوان الديوان و لكنها قررت ات تتصفحه..

اخذت ساعتين تقريباً في الديوان ..ربما ساعة منهم في قصيدة واحدة كانت قد حفظتها بعد ان انتهت من الديوان..او بمعنى اخر انهى الديوان عليها...كانت قصيدة "مقهى، وأنت مع الجريدة" ..ظلت تردد في نفسها جزء معين من القصيدة الذي يقول " كم انت منسيٌّ وحُرٌّ في خيالك!"..فقد ذكرتها تلك الجملة بحالها الان و كم هي تختبيء في خيالها من كل ما تمر به .

قابتله في اليوم التالي..و تعمدت ان ترتدي ملابس مفتوحة قليلا من عند الصدر..و ضيقة من عند خصرها ..كانت بداخلها تتمنى ان يدعوها الي بيته الذي هو في خيالها عبارة عن مرسم و به العديد من البرافانات الارابيسك التي ربما تختفي خلفها و تخرج له بملابس مثيرة ليرسمها ..
و لكنه في هذا اليوم اكتفى انهم تحدثوا سوياً فقط على نفس المقهى..تحدثوا كثيرا عن محمود درويش و اخبرته انها احبته بالفعل..ظل يلقى عليها بعض القصائد من الديوان..صوته العميق و اداؤه في القاء الشعر جعلها تود ان تقبله علناً و الان...تتابعت مقابلتهم حكت له هي عن يوسف و عن علاقتها السابقة و شعرت براحة نفسية عندما اخبرها انه ليس خطأها كل ما حدث..لكنها لم تجرؤ ان تحكي له شيء عن اخيها..اخبرها هو عن حبه الاول ..و غارت منها قليلا..ثم شعرت بسعادة عندما لاحظت بعض التقارب بين شخصيتها و شخصية حبيبته الاولى .. دامت مقابلاتهم عشرة ايام تقريبا..شعرت خلالهم ببعض المشاعر الحقيقة التي اسعدتها و في نفس الوقت جعلت هناك انقباض في قلبها كلما فكرت في مستقبلهم ..كانت سعيدة لانهم الي الان لم يحدث بينهم اي شيء كسابق علاقتها و مع ذلك كانوا هم الاثنين سعداء..بغض النظر عن ملامسته ليدها عندما تتحدث عن يوسف و يشعر انها على وشك البكاء..او عندما يضع يده على كتفها و يبعده سريعاً فينتفض جسدها لهذا الدفء السريع المباغت .. الي ان جاء اليوم الذي طلب مقابلتها سريعاً..نزلت اليه و هي تشعر بغصه في حلقها فقد كان صوته غير مبشر..
جلست امامه و يدها ترتعش بالسيجارة ..وهو ينظر حوله في كل مكان و يبدو عليه انه لم ينم جيداً ..و فجأة نظر اليها و عينيه مليئه بالدموع..و امسك يدها و قال " مني..انا متجوز"..
لم تنطق و لم تتحرك من مكانها ..ظلوا هكذا دقائق ..ثم ردت رد ساذج " و لكنك لا ترتدي دبلة"..
..لم يرد عليها و ظل صامتاً..سحبت يدها من يده..لماذا هي حزينة ..متزوج او لا ..ما يهمها هي ..الم يكن قرارها ان تخوض تجربة جديدة غير جادة..قالت له" و لماذا تقول لي هذا الان؟"...
كان رده سريعا و كانه كان ينتظر هذا السؤال ...قال لها و هو يمسك بيدها مره اخرى.."لأني احبك" ...