ظلت ترمقة و هي جالسة على الأرض تعبث بما تبقى في قدح القهوة بأصبعها.. تراقبه و هو يقلب في اوراقه التي لا يتخلى عنها ابداً.. حتى في اليوم الوحيد الذي يقضيه معها..لم ترد أن تغضب منه..و لذلك بدأت تتأمل ملامحه التي تعشقها..وجهه الأسمر النحيل..عيناه العسليتان الحائرتان دائماً..و هذا السواد الذي يحيط بهم دائماً من الإرهاق..تلك الشعريات البيضاء التي تخط طريقها على جانبي رأسه بخجل و روعة لتزيده و سامة و رجوله..ظلت تفكر أنه إذا راه أحد وحده بقامته الطويلة النحيلة .و وسامتة الطاغية..لن يصدق انه في منتصف العقد الرابع من عمره و لديه طفلين..لا ..لم يعودا طفيلن على الأطلاق..و عندما تذكرت هذا انقبض قلبها للمرة المليون فها هي تذكر نفسها إنها مجرد دخيلة على حياته و حياة زوجته و ابنه..و لكنها تحبه..وهو يحبها..أليس من حقها إذن أن تملكه و لو لهذه الساعات القليلة التي يقضيها معها...أنه من حقها..."لا ..لست سارقة...لست خائنة...فانا أحبه...هذا كل ما في الامر..أحبه بجنون".....
لاحظ هو شرودها..فوضع الورق جانبه..و مد يده إليها و جذبها ليجلسها بجواره على الأريكة.. أزاح شعرها الأسود الناعم عن جبينها ليطبع قبلة حانية عليه..و ظل يتأمل وجهها الشاب الجميل..كثيراً جداً ما يشك انه لا يستحق وجود تلك الجميلة في حياته.. ..لم تسطتع هي أن تقاوم دموعها فنظر إلي عيناها الدامعتين نظرة معاتبة ..فأخفت رأسها في صدره..و ظلت ترتجف بين ذراعيه الدافئتين.. كم تعشق هي رائحته و دفئه...إنها تتمنى فقط أن ينتهى العالم عند هذه اللحظة و تظل معه للأبد..
و لكن كيف..سوف تأتي اللحظة التي يذهب فيها و يتركها بمفردها..سيذهب هو لبيته و زوجته و ابنه..و لن يشعر بتلك الوحدة التي تعيش هي فيها..فهو كل ما تملكه في حياتها ..الأب و الحبيب و الصديق ..كل شيء..فبعد أن توفت أمها ..لم يعد لها غيره..و على الرغم من أن أمها حذرتها منه كثيراً قبل ان تموت..إلا انها لم تقدر ان تبتعد عنه.. و لكن كم يألمها مجئيه خلسة إلي بيتها..كم يؤلمها انها لا تسطيع أن تخرج معه في مكان عام و يقدمها لكل اصدقائه و تعيش معه حياته..هي تعلم ان شيء كهذا يعرض اسرته و وظيفته المرموقة للخطر..و لذلك عزاءها الوحيد انها تعلم انه يحبها فعلا....انها متأكدة انه يحبها..
تملصت من بين ذراعيه و نظرت الى وجهه جيداً و هي تسأله "هل تحبني؟؟"..
"كما لم أحب شيئا من قبل !"
"حقا!"
"بالطبع...اتشكين في هذا؟"
"لا ..فقط احب ان اسمعها منك من وقت لآخر"
"ساذجة انت يا طفلتي...ارجوك..لا تشك في حبي لك لحظة..اتفقنا؟"
"اتفقنا!.."
ابتسم لها و هو يضع يده في جيب سترته..."و الان..خمني ماذا احضرت لك في عيد ميلادك"
قالت بفرحه:
""احقاًً تتذكره...تخيلت انك نسيته"
"كيف اجرؤ!"..و "الان خمني"
"لا..ارني اياها الان"
"توسلي الي قليلاً"
جثت على ركبتها امامه و قالت "ارجووووك"
فنزل على الارض بجوارها و قال"اياك ان تفعليها ثانية"
ثم اخرج تلك العلبة القطيفة من جيبة و اخرج منها ميدالية دهب...
نظرت له بعتاب و قالت"انت تعلم انني لا احب الدهب"
فقال لها و هو يمسك بالمفتاح اخر الميداليه"و لكنك بالطبع تحبين السيارات"
لم تصدق نفسها...اخيراً ستذهب الي جامعتها بسيارة..صحيح هي في السنه الاخيرة..و لكنها ستفعل..ارتمت بين ذراعيه
"لابد و انها كلفتك كثيراً"
"لا شيء اغلى منك عندي"
"لا شيء ابداً ابداً"
فسكت لانه لا يريد ان يكذب عليها ..و هي الاخرى فضلت ان تغير مسرى الحوار فسألته"ما لونها"
فابتسم لذكائها و قال" رمادي"
"فوضعت قبله على يده و قالت"اشكرك"
فافلت يده من يدها و وقف قائلاً."يجب ان اذهب الان..انت تعلمين ان..."
قاطعته "اعلم..لا عليك ..يمكنك ان تذهب"
ثم وقفت و احتضنته بشده ..و قالت له من بين دموعها " ابي ..ارجوك تذكرني كثيراً"
"هذا ما يحدث صدقيني"
قالها و التقط اوراقه من على الاريكة و ذهب تجاه الباب..القى عليها نظرة اخيره ثم ذهب ..
التقطت قدح القهوة و جلست مكانه على الاريكة..و ظلت تعبث مرة اخرى بما تبقى فيه..ظلت تتذكره وهو يعبث باوراقه التي لا يتركها ابداً..تراجع ملامحه التي تعشقها...وجهه الاسمر النحيل و عيناه ال.....
تشعر بالذنب لانها تسرقه من اسرته...ثم قالت لنفسها..لا..لست سارقة...انا احبه..وهو يحبني..يحبني بالرغم من اي شيء..بالرغم من زوجته..و ابنه...فاي شخص يحب ابناءه..و هي ابنته..حتى لو كانت ابنه غير شرعية...فهي لا ذنب لها في هذا...و هو يحبها جدا لانها ابنته الاولى...هو على استعداد ان يعترف بها...و لكنها هي التي رفضت...رجل في مركزه لا تحتمل سمعته شيء كهذا...غير ان زوجته لن تسعد كثيرا بهذا الخبر..و لكن المهم انها تحبه..و متأكدة انه يحبها...يحبها رغم اي شيء.