قليلة جداً تلك الايام التي نستطيع ان نقول عليها "أسوء" ايام في حياتنا , ليس هذا -بالطبع- بسبب ان حياتنا رائعة , و لكن لأنها دوماً سيئة ,فغالباً يصعب عليك تحديد "الأسوأ".
اسوأ ايام في حياتي, الاسبوع الفائت من اسوأ ايام حياتي , تلك الاحداث المتتالية التي تشعرك ان هناك مؤامرة كونية ظلت تنسج خيوطها من حولك منذ سنين ,و من بعيد دون ان تشعر , لتأتي في لحظة بعينها و تلقي عليك تلك الشبكة محبكة الخيوط لتخبرك انك كنت ساذج عندما تخيلت انك سعيد,انك نسيت,انك تعيش.
تلك الحالة النفسية التي تسيطرعليك و تشل خيالك ليصبح الواقع اكثر وضوحاً ,و اكثر وقاحة, ابواب عديدة كنت قد اغلقتها منذ زمن تنفتح على اخرها لتنفجر في وجهك الكثير من الزكريات التي ظننت انها من الماضي , لم تدرك ان تلك الغرف اصيبت بخلل بسيط ادى الي نشع قوي في الاحداث تسرب بسهولة الي اساسات دمك و روحك , ام ان الابواب لم تُغلق ابداً.
في تلك الايام و تلك الحالة النفسية التي مررت بها –ولازلت- كان هناك عالم خاص الجأ اليه بعد منتصف الليل, و المنزل شبه خالي, متحررة من قيودي الجسدية و الروحية , تحت ملاءة خفيفة قطنية , و كوب من ال"بيريل" , اقرأ "عشاق خائبون"* , في اليوم الاول نسطيع ان نقول "اقرأ", من اليوم الثاني و بنفس الطقوس, اتجرع "عشاق خائبون",في اليوم الثالث ,بطقوس أكثر قدسية , أرتشف "عشاق خائبون" ,أخذها على طرف لساني, اتذوقها , استنشقها في صدري , اعطها الوقت لتتسرب الي شعيراتي الدموية و امعائي ,تُسكرني,في تلك اللحظة تختلف الحياة كثيراً, للحظة افقد القدرة على التمييز بين شخوص الرواية و الشخصيات الحقيقة , هل "ريتا" في الرواية ام "ريتا" صديقتي ,هل انا "اميرة " ام "ريتا" ,هل هذه حروف سوداء ام شاشة سينمائية لا تقل حرفية عن شاشات "فلليني" و "شاهين" و "سكورسيزي",كل هذا اصبح غير اكيد , كل شيء اصبح قابل للتأويل , و لكن الاكيد انني وقعت في غرام "خالد" ,جلست معه كل ليلة على كنبته الخضراء ,احتويت اكتئابه ولكني لم احرمه من حزني, مشينا في شارع القصر العيني متشابكي الايدي, ولم انس امر القبلة المسروقة,عاتبته كثيراًعلى اثار الجرح في يديه من الموسى ,اوهمته انني ارى القزم مثله حتى انفي عنه تهمة الجنون او الصقها بنفسي انا الاخرى, جلسنا في اليوناني و شربنا الكثير من النبيذ , تابعت معه حالة جلده و صممت في مره ان اضع له الدواء بنفسي ,اخذته الي مقهاي المفضل.لم يحب الشيشة و لكنه شربها من اجلي, اطلعته على اسراري الصغيرة المخجلة ,اشفقت على سلمى , و لكني غضبت منها , لم استطع ان انكر ميلي ل"ريتا " و تحررها و عشوائيتها التي ايقظت حلم قديم بداخلي ,عشقت الكردي و جلست كثيرا استمع لأرائه الصادمة , و نمت في مرة و انا اسمع احدى حكايات يوسف الخيالية , و عندما خرج "خالد" من قيود الرواية و خرجت انا من قيود الواقع ,اصبحت الحياة اكثر احتمالاً.
تلك اللحظات التي "تعيش" فيها رواية ,لتعلم ان حياتك لن تعود كما كانت ابداً, تلك تلك الرواية الرائعة لو كنت قرأتها وقت صدورها منذ اكثر من عامين كنت سأستمتع بها , و ابكي و انا اقرأها ثم اتنهد و اضعها في مكتبتي ,لكني عندما قرأتها الان لم ابكي –رغم انها مشجعة جدا- و لم اتنهد و لم اضعها في مكتبتي بعد, و لكني اُصبت بمجموعة مختلفة من ردود الافعال جعلت جميع مشاعري تنحشر في حلقي ,مترددة اي منهم هو الاحساس الصحيح و الذي من المفترض ان يطفو على السطح, البكاء بهستريا؟, الحزن الصامت؟, الغضب؟, الندم؟, الانتحار؟..دون الوصول الي الحل الامثل ,حالة رهيبة من العجز عن ترجمة رد الفعل , فقط اغلقت الكتاب و نظرت له , و لمن يشاهد مسلسل فريندز فقط. "اوشكت ان اضعه في "الفريزر" .
قليلة جداً تلك الايام التي نستطيع ان نقول عليها "أسوء" ايام في حياتنا, و قليلة جداً تلك الساعات التي نقتنصها من تلك الايام لنشعر اننا على قيد الحياة ,ساعات ليلية للأسف سنتنهي اليوم و سأقيضها في اخذ ال"نفس الاخير" من رواية "عشاق خائبون".
************
رواية "عشاق خائبون" للكاتب "إيهاب عبد الحميد ", صدرت عن دار ميريت في 2005.